فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقيل هو الدبى الصغار الذي لا أجنحة له، وهي بنات الجراد، وعن سعيد بن جبير كان إلى جنبهم كثيب أعفر فضربه موسى عليه السلام بعصاه فصار قملًا.
فأخذت في أبشارهم وأشعارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودهم كأنه الجدري، فصاحوا وصرخوا وفزعوا إلى موسى فرفع عنهم، فقالوا: قد تيقنا الآن أنك ساحر عليم.
وعزة فرعون لا نؤمن بك أبدًا، وقرأ الحسن {والقمل} بفتح القاف، وسكون الميم.
يريد القمل المعروف.
وأما الدم فما ذكرناه.
ونقل صاحب الكشاف أنه قيل: سلط الله عليهم الرعاف.
وروي أن موسى عليه السلام مكث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات.
وأما قوله تعالى: {ءايات مّفَصَّلاَتٍ} ففيه وجوه: أحدها: {مّفَصَّلاَتٍ} أي مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره، وثانيها: {مّفَصَّلاَتٍ} أي فصل بين بعضها وبعض بزمان يمتحن فيه أحوالهم وينظر أيقبلون الحجة؟ والدليل: أو يستمرون على الخلاف والتقليد.
قال المفسرون: كان العذاب يبقى عليهم من السبت إلى السبت، وبين العذاب إلى العذاب شهر، فهذا معنى قوله: {ءايات مّفَصَّلاَتٍ} قال الزجاج: وقوله: {ءايات} منصوبة على الحال.
وقوله: {فاستكبروا} يريد عن عبادة الله: {وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} مصرين على الجرم والذنب.
ونقل أيضًا أن هذه الأنواع المذكورة من العذاب كانت عند وقوعها مختصة بقوم فرعون، وكان بنو إسرائيل منها في أمان وفراغ، ولا شك أن كل واحد منها فهو في نفسه معجز، واختصاصه بالقبطي دون الإسرائيلي معجز آخر.
فإن قال قائل لما علم الله تعالى من حال أولئك الأقوام أنهم لا يؤمنون بتلك المعجزات، فما الفائدة في تواليها وإظهار الكثير منها؟ وأيضًا فقوم محمد صلى الله عليه وسلم طلبوا المعجزات فما أجيبوا فما الفرق.
والجواب: أما على قول أصحابنا فيفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، وأما على قول المعتزلة في رعاية الصلاح، فلعله علم من قوم موسى أن بعضهم كان يؤمن عند ظهور تلك المعجزات الزائدة، وعلم من قوم محمد صلى الله عليه وسلم أن أحدًا منهم لا يزداد بعد ظهور تلك المعجزات الظاهرة إلا كفرًا وعنادًا، فظهر الفرق والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان}.
وهو المطر الدائم من السبت إلى السبت حتى خربت بنيانهم وانقطعت السبل وكادت أن تصير مصر بحرًا واحدًا، فخافوا الغرق، فاستغاثوا بموسى، فأرسلوا إليه اكشف عنا العذاب نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل.
فدعا موسى ربه، فكشف عنهم المطر، وأرسل الله عليهم الريح فجففت الأرض فخرج من النبات شيء لم يروا مثله بمصر قط.
قالوا: هذا الذي جزعنا منه خير لنا ولكنا لم نشعر به.
فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل.
فنقضوا العهد، وعصوا ربهم، فمكثوا شهرًا، فدعا عليهم موسى فأرسل الله تعالى عليهم الجراد مثل الليل، فكانوا لا يرون الأرض، ولا السماء من كثرتها، فأكل كل شيء أنبتته الأرض.
فاستغاثوا بموسى {وَقَالُواْ ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: 49] يعني: يا أيها العالم سل لنا ربك ليكشف عنا العذاب، ونؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل.
فدعا موسى ربه، فأرسل الله تعالى ريحًا فاحتملت الجراد وألقته في البحر فلم يبق في أرض مصر جرادة واحدة.
فقال لهم فرعون: انظروا هل بقي شيء؟ فنظروا فإذا هو قد بقي لهم بقية من كلئهم وزرعهم ما يكفيهم عامهم ذلك.
قالوا: قد بقي لنا ما فيه بلغتنا هذه السنة.
فقالوا: يا موسى لا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل فمكثوا شهرًا ثم دعا عليهم فأرسل الله تعالى عليهم القُمَّل.
قال قتادة: القمل أولاد الجرادة التي لا تطير وهكذا قال السدي.
وذكر عن أبي عبيدة أنه قال: القمل عند العرب الحمنان وهو ضرب من القردان فلم يبق من الأرض عود أخضر إلا أكلته.
فأتاهم منه مثل السيل على وجه الأرض، فأكل كل شيء في أرض مصر من نبات الأرض أو ثمر فصاحوا إلى موسى، واستغاثوا به، وقالوا: ادع لنا ربك هذه المرة يكشف عنا العذاب ونحن نطيعك ونعطيك عهدًا وموثقًا لنؤمنن بك، ولنرسلن معك بني إسرائيل.
فدعا موسى ربه فأرسل الله تعالى ريحًا حارة فأحرقته فلم يبق منه شيء، وحملته الريح، فألقته في البحر، فقال لهم موسى: أرسلوا معي بني إسرائيل؟ فقالوا له: قد ذهبت الأنزال كلها فأيش تفعل بعد هذا؟ فعلى أي شيء نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل؟ اذهب فما استطعت أن تضر بنا فافعل.
فمكثوا شهرًا فدعا الله تعالى عليهم موسى، فأرسل الله تعالى عليهم آية وهي الضفادع، فخرجوا من البحر، مثل الليل الدامس، فغشوا أهل مصر، ودخلوا البيوت، ووقفوا على ثيابهم، وسررهم، وفرشهم، وكان الرجل منهم يستيقظ بالليل فيجد فراشه وقد امتلأ من الضفادع، فكان الرجل يكلم صاحبه في الطريق يجعل فمه في أذنه ليسمع كلامه من كثرة نعيق الضفادع.
فضاق الأمر عليهم فصاحوا إلى موسى فقالوا يا موسى: لئن رفعت عنا هذه الضفادع لنؤمنن بك ولنرسلن معك بني إسرائيل.
فدعا لهم موسى ربه فأذهب الله تعالى عنهم الضفادع.
فقال لهم موسى: أرسلوا معي بني إسرائيل فقالوا: نعم اخرج بهم ولا تخرج معهم بشيء من مواشيهم وأموالهم.
فقال لهم موسى: إن الله أمرني أن أخرج بهم ولا أخلف من أموالهم ومواشيهم شيئًا.
فقالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل.
فمكثوا شهرًا، فدعا عليهم، فأرسل الله تعالى عليهم الدم، فجرت أنهارهم دماء، فلم يكونوا يقدرون على الماء العذب ولا غيره، وبنو إسرائيل في الماء العذب.
وكلما دخل رجل من آل فرعون ليستقي من أنهار بني إسرائيل.
صار الماء دمًا من بين يديه، ومن خلفه.
فركب فرعون وأشراف أصحابه حتى أتوا أنهار بني إسرائيل فإذا هي عذبة صافية.
فجعل فرعون يدخل الرجل منهم، فإذا دخل واغترف صار الماء في يده دمًا.
فمكثوا كذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم فمات كثير منهم في ذلك.
فاستغاثوا بموسى فقال فرعون: اقسم بإلهك يا موسى لئن كشفت عنا الرجز، لنؤمننّ بك، ولنرسلن معك بني إسرائيل.
فدعا موسى ربه فأذهب الله تعالى عنهم الدم، وعذب ماؤهم وصفي.
فعادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ءايات مّفَصَّلاَتٍ} يعني: متتابعات قال الحسن وسعيد بن جبير وغيرهما قالوا: مما كانوا يعافون بين كل آيتين شهرًا فإذا جاءت الآية، قامت عليهم سبعًا من السبت إلى السبت.
وروي عن مجاهد أنه قال: الطوفان المطر الكثير وقوله آيات صارت نصبًا للحال.
وقوله تعالى: {فاستكبروا} يعني: تعظّموا عن الإيمان {وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} يعني: أقاموا على كفرهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ...}.
أما الطوفان ففيه ستة أقاويل:
أحدها: أنه الغرق بالماء الزائد، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الطاعون، قاله مجاهد.
والثالث: أنه الموت، قاله عطاء. وروت عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّوفَانُ الْمَْوتُ».
والرابع: أنه أمر من الله طاف بهم، وهو مروي أيضًا عن ابن عباس.
والخامس: أنه كثرة المطر والريح، واستدل قائل ذلك بقول الحسن بن عرفطة:
غَيَّرَ الْجِدَّةَ مِنْ عِرْفَانِهِ ** خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ الْمَطَرِ

والسادس: أنه عذاب من السماء، واستدل قائل ذلك بقول أبي النجم:
وَمَرَّ طُوفَانٌ فِبِتُّ شَهْرًا ** فَرْدًا شَآبِيبَ وَشَهْرًا مدرًا

{وَالْقُمَّلَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه الدَبَى وهو صغار الجراد لا أجنحة له.
والثاني: أنه السوس الذي في الحنطة قاله ابن عباس.
والثالث: البراغيث، قاله ابن زيد.
والرابع: القردان، قاله أبو عبيدة.
والخامس: هو دواب سود صغار، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وشاهده قول الأعشى.
قَوْمًا تُعَالِجُ قُمَّلًا أَبْنَاؤهُهُمْ ** وَسَلاَسِلًا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدًا

وواحد القمل قملة.
وأما الضفادع فواحدها ضفدع وهو مشهور. وقيل إنه كان يوجد في فراشهم وآنيتهم، ويدخل في ثيابهم فيشتد أذاه لهم.
وأما الدم ففيه قولان:
أحدهما: أن ماء شربهم كان يصير دمًا عبيطًا، فكان إذا غرف القبطي من الماء صار دمًا وإذا غرف الإسرائيلي كان ماء.
والثاني: أنه رعاف كان يصيبهم، قاله زيد بن أسلم.
{ءَاياتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} فيها قولان:
أحدهما: مبينات لنبوة موسى.
والثاني: مفصل بعضها عن بعض لأن هذه الآيات لم تجتمع في وقت واحد بل كانت تأتي شهرًا بعد شهر فيكون في تفرقتها مع الإنذار إعذار، وكان بين كل آيتين شهر.
{فَاسْتَكْبَرُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الانزجار بالآيات.
والثاني: عن الإيمان بموسى.
{وَكَانُواْ قَومًا مُجْرِمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: كافرين.
والثاني: متعدّين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} الآية، قال الأخفش {الطوفان} جمع طوفانة وهذه عقوبات وأنواع من العذاب بعثها الله عليهم ليزدجروا وينيبوا، و{الطوفان} مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثر في الماء والمطر الشديد، ومنه قول الشاعر: [الرمل]
غير الجدة من عرفانه ** خرق الريح وطوفان المطر

ومنه قول أبي النجم: [الرجز]
ومد طوفان فبث مددا ** شهرًا شآبيب وشهرًا بردا

وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إن {الطوفان} في هذه الآية المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم، وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن {الطوفان} المراد في هذه الآية هو الموت، وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه هو مصدر معمى عني به شيء أطافه الله بهم، و{الجراد} معروف، قال الأخفش هو جمع جرادة للمذكر والمؤنث فإن أردت الفصل قلت رأيت جرادة ذكرًا، وروي: أن الله عز وجل لما والى عليهم المطر غرقت أرضهم وامتنعوا الزراعة قالوا يا موسى ادع في كشف هذا عنا نحن نؤمن، فدعا فدفعه الله عنهم فأنبتت الأرض إنباتًا حسنًا فطغوا وقالوا ما نود أنا لم نمطر وما هذا الإحسان من الله إلينا، فبعث الله حينئذ الجراد فأكل جميع ما أنبتت الأرض، وروى ابن وهب عن مالك أنه روي أنه أكل أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع في كشف الجراد ونحن نؤمن، فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم ورأوا أن ما أقام رمقهم قد كفاهم، فبعث الله عليهم القمل وهي الدبى صغار الجراد الذي يثبت ولا يطير قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقيل هو الحمثان وهو صغار القردان وقيل هو البراغيث وقال ابن عباس {القمل} السوس الذي يخرج من الحنطة، وقيل {القمل} الزرع إنه حيوان صغير جدًّا أسود وإنه بأرض مصر حتى الآن، قال حبيب بن أبي ثابت: {القمل} الجعلان، وقرأ الحسن {القَمْل} بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا بينة القمل المعروف، وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملًا في مصر، ثم إنهم قالوا ادع في كشف هذا فدعا ورجعوا إلى طغيانهم وكفرهم، وبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب الضفدع في فمه، قال ابن جبير: كان الرجل يجلس إلى دفنه في الضفادع، وقال ابن عباس: كانت الضفادع برية فلما أرسلت على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.
فقالوا ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم وعتوهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عندهم دمًا، فروي أن الرجل منهم كان يستقي من البئر فإذا ارتفع إليه الدلو عاد دمًا، وروي أنه كان يستقي القبطي والإسرائيلي بإناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دمًا والذي يلي الإسرائيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء، هذا قول جماعة المتأولين، وقال زيد بن أسلم: إنما سلط الله عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم.
وقوله تعالى: {آيات مفصلات} التفصيل أصله في الأجرام إزالة الاتصال، فهو تفريق شيئين، فإذا استعمل في المعاني فيراد أنه فرق بينها وأزيل اشتراكها وإشكالها، فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة من المفسرين: {مفصلات} يراد به مفرقات بالزمن، والمعنى أنه كان العذاب يرتفع ثم يبقون مدة شهر، وقيل ثمانية أيام ثم يرد الآخر، فالمراد أن هذه الأنواع من العذاب لم تجىء جملة ولا متصلة، ثم وصفهم الله عز وجل بالاستكبار عن الآيات والإيمان، وأنهم كان لهم اجترام على الله تعالى وعلى عباده. اهـ.